كتاب لعبة المال. تعلم قواعد اللعبة
مهما اختلفنا حول المال، فإن الأمر الوحيد الذي لا يمكن أن نختلف عليه هو أن الجميع عنده مشاكل مع المال، وعندما أقول “الجميع” فأنا أعني ”الجميع” حرفيا. وأن شئت الدقة باعتباري مهندس مهتم بالأرقام فإننا نتكلم عن ٨٠٪ من سكان هذا الكوكب يعانون من مشاكل مع المال.
هذه المشاكل تتراوح بين الضغط المالي المستمر بسبب العيش من راتب إلى راتب، أو الديون المتراكمة ولاسيما الديون السيئة المتعلقة ببطاقات الائتمان، أو عدم القدرة على تحقيق الأهداف المالية، ناهيك عن الوفاء بالالتزامات المالية، أو عدم الاستعداد لمطبات الحياة المالية -وما أكثرها-. فإن كنت تعاني من أحد هذه المشاكل أو مجموعة منها، فلا تقسو على نفسك فإنك تشارك هذا الهم مع حملة الدكتوراة والشهادات العليا من أطباء ومهندسين، بل ومع أصحاب الدخل المرتفع الذي قد يصل إلى ١٠٠ ألف دولار سنوي (حوالي ٨٣٠٠ دولار شهري).
عندما أفكر في هذا الأمر أجد نفسي أرجع دوما للجملة التي افتتح بها مورجان هاوسل كتابه سيكولوجية المال:
“عندما يتعلق الأمر بالمال، فإن أخطر القرارات المالية لا يتم أخذها في ملفات الإكسل، بل على مائدة العشاء”
فكر معي الآن في القرارات المالية التي اتخذتها في آخر عام من حياتك مثلا، كم منها اتخذته بناء على دراسة لحالتك المالية الحالية والمستقبلية، مع محاولة لتوقع تأثير هذا القرار على مستقبلك المالي. وكم منها اتخذته بصورة اندفاعية عاطفية، أو بتأثير من المجتمع أو الوسط المحيط بك، ثم بدأت تندم عليه لاحقا عندما رأيت تأثيره على حياتك. أعتقد أن أغلب القرارات التي اتخذتها العام الماضي، والأعوام التي تسبقه سيكون من الثاني. ومرة أخرى قبل أن تشق على نفسك: هذا ليس عيبا فيك، بل هو أمر طبيعي فطري، الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يتأثر بما حوله وبمن حوله. لذلك تجد مورجان هاوسل نفسه يتبع هذا الكلام بأنه لا أحد مجنون فيما يتعلق بالمال، لأن من نشأ في روسيا الاشتراكية، لا يمكن أن يفكر في المال بنفس طريقة من نشأ في أمريكا الرأسمالية.
لذلك يمكنك القول بأن أغلب القرارات المالية في حياتنا منبعها يأتي من عقلك اللاواعي، فإن أخذنا في الاعتبار أننا لا ندرس شيئا عن المال في مدارسنا، وتقريبا لا نتعلم شيئا عن المال في بيوتنا، سيمكنك الآن أن تفهم لم يعاني الجميع من مشاكل مالية حتى أصحاب الشهادات العليا والدخل المرتفع. ثم أضف إلى ذلك أننا جميعا واقعين تحت طائلة آلة إعلامية جبارة كل هدفها في الوحيد هو شفط كل الأموال التي تمتلكها حتى آخر جنيه أو ريال أو دولار (لا تهم العملة هنا فكلنا في الهوا سوا). سواء أكانت إعلانات التلفاز أو حاليا إعلانات يوتيوب، أو حسابات المشاهير على مواقع التواصل، فإنها جميعا تدفعك دفعا نحو شراء ما لا تريد ولا تحتاج فقط من أجل مجاراة المجتمع وتتبع الترند.
ثم لا تنسى البنوك وشركات البطاقات الائتمانية، التي تفرش لك الأرض بالورود والرياحين من أجل الحصول على هذا الكارت أو ذاك، ليسهّلوا عليك فكرة شراء أشياء لا تحتاجها، بأموال لا تملكها ومن ثم التقسيط على مهلك، دون أن تدري أنك تدفع ثمن شيء لا تحتاجه على الحقيقة أضعافا مضاعفة. ثم مؤخرا انفجار ماسورة شركات اشتر الآن وادفع لاحقا التي تعزز ثقافة الاستهلاك أكثر وأكثر.
لعبة المال
إذا نظرت للأمر من خارج يبدو لك أننا جميعا داخل لعبة، الجميع يريد تسجيل أعلى النقاط، والوصول لأعلى المستويات. لكن المشكلة أن الجميع يعرف قواعد اللعبة ما عداك أنت. لذلك تجد أن الشركات والبنوك تحقق نموا في الأرباح عاما بعد عام، بينما أنت مازلت محلك سر، أو في بعض الأحيان كل ما ينمو لديك هو حجم الدين الذي يكبّل يديك وقدميك. ومرة ثالثة لا تبتأس أو تقسو على نفسك فأنا هنا من أجلك.
في الحقيقة أنا كنت واقف في مكانك منذ فترة ليست بالطويلة، فقد نشأت نفس نشأتك في أسرة متوسط في القاهرة، وتلقيت نفس التعليمات التي تلقيتها أنت: ذاكر واجتهد، عشان تدخل طب أو هندسة، ثم تحصل على وظيفة جيدة، لتشتري سيارة وشقة، ثم تتزوج وتدخل العيال أحسن مدارس. وقد فعلت كل ما أملاه علي المجتمع والأسرة، تخرجت من كلية الهندسة، واشتريت السيارة بالقسط، والشقة بالقسط، وادخلت الأولاد أحسن مدارس، وبالطبع خلال كل ذلك أعيش حياتي المالية من راتب إلى راتب. لا أعرف معنى الادخار، أو تعدد مصادر الدخل، أو الميزانية، ولا صندوق الطوارئ.
هذه كلها مصطلحات لم تطرق سمعي من الأساس. حتى جاء اليوم الذي بدأت أشعر فيه برتابة الوظيفة، وأنها لا تحقق شغفي وطموحي، وبدأت أسعى لبناء حلمي خارج جدران ساعات العمل الرسمية. ومجرّد أن بدأت أرفع رأسي خارج المكتب المكعب في مبنى الشركة التي كنت أعمل فيها اصطدمت بأول عقبة بديهية يمكن أن تقابل أي شخص يريد أن يبني حلما. التمويل!
-
أعرف أن هذا ليس كتابا عن ريادة الأعمال، لكني أحتاج أن أوضح لك أن كل من يروجون لريادة الأعمال على أنها اتباع الشغف، والعمل الجاد وفقط فإنهم كاذبون، ويعرفون أنهم يكذبون. وكل القصص التي يذكرونها عن رواد الأعمال الناجحين أمثال بيل جيتس وإيلون ماسك، ومارك زوكربيرج أنهم وصلوا لبناء شركات مليارية عابرة للقارات بسهر الليالي فقط لا غير، ما هو إلا محض افتراء. هذه الشركات أحرقت مليارات الدولارات من الأموال قبل أن تصل لما وصلت له الآن.
لكني -مثلك تماما- كنت واقع تحت تأثير الدعايات البراقة لخلق المستقبل الأفضل، معتمدا على حبي للتعلم ودأبي الطويل في العمل، وسريعا ما اصطدمت بالواقع، وبدأت أرى أحلامي تتلاشى أمام عيني بسبب التمويل، وأنا أقف عاجزا عن فعل أي شيء لأني ببساطة غير جاهز ماليا، وغير مستعد لهذا الموقف. هنا فقط بدأت أدرك أن هناك مشكلة في إداركي عن المال، وهنا كانت بداية رحلتي لفهم لعبة المال.
-
وعلى مدار نصف عقد من الزمان بعد هذه الأحداث قرأت عشرات الكتب في هذا المجال، وحصلت على شهادتين في الاستثمار وإدارة الأصول من جامعة جينيف في سويسرا، وبدأت في تنفيذ كل القواعد التي تعلمتها على نفسي أولا حتى تمكنت من بناء محفظة استثمارية قوية يمكنني الاعتماد عليها، ولأني أحب التدريس منذ الصغر بدأت في تدريس ما تعلمته واختبرته بنفسي حتى تخطى عدد المتدربين لأكثر من ٢٠٠٠ متدرب، ثم بدأت في تقديم الاستشارات المالية، بل وإدارة محافظة استثمارية قيمتها تتخطي ملايين الدولارات.
وأنا الآن أكتب لك هذه الكلمات لأساعدك في كسر هذه الحلقة التي نشأنا عليها، وآخذ بديك للخروج من سباق الفئران، وعيش حياة مالية مستقرة خالية من الضغوط، حتى تتمكن أنت كذلك من تحقيق حلمك أو اتباع شغفك، أو حتى مجرد قضاء وقت أطول مع من تحب.
في كتاب لعبة المال سنبدأ معا الصفر، سنرى قصة حياة المال، ونفهم كيف يعمل. سنجيب على السؤال الأزلي: هل يمكن للمال أن يشتري السعادة أم لا؟ سنفهم الفرق بين عقلية الأغنياء وعقلية الفقراء. ونتعرف على معنى العادات المالية وكيف تعمل؟. سنشرح معنى الحرية المالية على الحقيقة، وكيف يمكن أن تصل إليها. سنتعرف على أعداء النجاح المالي وكيف يمكنك أن تتغلب عليهم، كل ذلك من خلال مجموعة من الأمثلة العملية التي تقرب لك المعنى وتعطيك خارطة لطريق الحرية المالية. سأحاول جاهدا أن أعطيك كل مفاتيح اللعبة وأتأكد أنك تستطيع الفوز فيها.
الأمر الجميل هنا أنك لا تحتاج أن تنتظر إلى أن أنتهي من كتابة كامل الكتاب حتى تقرأه، ذلك لأني سأقوم بنشر الفصول التي أنتهي من كتابتها هنا في نشرة رفاه البريدية. لكن في النسخة المدفوعة، بحيث تكون متاحة لمشتركي مجتمع رفاه.
فإن لم تكن قد اشترك بعد، يمكنك الاشتراك من خلال هذا الرابط
بقلم مهندس محمد حسن
أبو ظبي
الجمعة، ١ شعبان ١٤٤٦، الموافق ٣١ يناير ٢٠٢٥.