أعظم ما يعيق الإنسان عن الإنجاز أنه ينظر إليه كـ جبل عظيم هو واقف تحته، مشاهدة عظمة حجم الجبل من أسفل تلقي قدر كافي من الرعب في القلب يمنعه حتى من التفكير في المغامرة. بصفتي من هواة تسلق الجبال العالية أستطيع القول أن كل هذا يذهب في لحظة واحدة وهي اللحظة التي تقرر فيها أن تخطو أول خطوة
هذا المثال الواقعي يعكس تماما ما نعيشه كل يوم من إخفاقات في تحقيق المنجزات التي نتمنى من سنين أن نحققها.
الوصول للثراء وتحقيق الحرية المالية،
خسارة 10 كجم من الوزن،
الانتهاء من تأليف الكتاب،
الحصول على شهادة الماجستير،
أو حتى الوصول إلى منصة التتويج في لعبة أوليمبية.
كلها جبال نقف تحتها ونشعر بالعجز عن تسلقها. وهذه تحديدا هي المشكلة التي سأحاول معكم حلها في هذه المقال.
كيف يعمل عقلك
عقولنا مصممة بحيث تتجنب الإجهاد العالي على المدى الزمني الطويل. أو بكلمات أخرى إن عقولنا تميل إلى توفير الجهد الإضافي كلما كان هذا ممكنا. وهذا يجعل 80% من أفعالنا اليومية تدخل تحت مظلة العادات التي لا يحتاج العقل إلى عمل مجهود لتنفيذها. بينما 20% فقط من مهامك اليومية تدخل تحت مظلة الأمور الجديدة عليك التي يحتاج العقل إلى بذل مجهود للتعرف عليها وتحليلها، ومن ثم اتخاذ قرار بشأنها. وحتى تلك الـ 20% سيعمل عقلك جاهدا من أجل إدخالها تحت مظلة العادات بأسرع وقت ممكن.
يشرح علماء الأعصاب ذلك عن طريق تمثيل العقل كمكتبة عملاقة من الملفات، كل شيء جديد تراه أو تتعامل معه، يخلق له العقل ملفا ويقوم بتخزينه في رفوف المكتبة، فإذا مررت بهذا الشيء مرة أخرى، لا يحتاج العقل للتفكير، فقط يذهب لهذا الملف ويفتحه وينفذ ما فيه.
فقط الأمور الجديدة هي التي تحتاج إلى جهد كبير من أجل خلق ملف جديد وتصنيفه لوضعه في المكان المناسب له.
فهمك لهذا الأمر يجعلك تدرك أن تحقيق إنجاز ما، وجعل عقلك يعمل عليه لفترة طويلة لفترات طويلة معناه نقل هذا الأمر إلى دائرة الـ 80% من العادات الروتينية، وهنا تظهر عبقرية العادات الذرية.
سحر العادات الذرية
تعتمد فكرة العادات الذرية على أن تحسين 1% فقط من أي شيء تقوم به لمدة شهر، يجعلك أكثر نجاحا وتميزا بكثير من إنجاز لحظي قدره 30% في يوم واحد ثم العودة لحالة السكون الدائم بعدها.
العادات الذرية هي محاولة للتغلب على أسلوب العقل في العمل من خلال مساعدته على نقل أهدافنا العظيمة من ملفات الأمور الجديدة التي يتجنبها العقل، إلى ملفات العادات التي يقوم بها بدون مجهود. ويتم ذلك عن طريق المواظبة على التحرك في سبيل هذا الإنجاز -قمة الجبل- خطوة واحدة صغيرة كل يوم، لفترة طويلة من الزمن.
وبصفتي أب وكوتش تحفيز لبنت من أبطال مصر في السباحة الحرة، أستطيع القول بأن بنتي لم تولد بطلة سباحة، ولقد عشت بنفسي المواظبة على تمرين السباحة كل يوم في كل الظروف، صباحا ومساء، صيفا وشتاء، سواء كانت الحالة المزاجية مواتية، أم لا. الاستمرار على هذه المنجزات اليومية البسيطة لمدة خمسة أعوام متتالية بدون أي انقطاع هو الذي وصل بها إلى هذا المستوى.
كما أوضحت في مقال "12 كتاب تقرأها في 2022" إليك هذه النصائح البسيطة لتساعدك في تكوين العادات:
- ابدأ بأقل قدر ممكن من الأمر الذي تريد التعود عليه. مثل قراءة صفحة واحدة يوميا، أو عمل تمرين ضغطة واحدة كل يوم، أو ادرس لغة جديدة لمدة خمس دقائق فقط دون انقطاع.
- اربط هذه العادة الجديدة بعادة أخرى سهلة عليك بالفعل، مثل ربط القراءة بشرب القهوة، أو ربط تمرين الضغط بالدش الصباحي.
- اجعلها أمام عينك باستمرار. لأن المكان الذي تعيش فيه يؤثر على عمل عقلك، حاول أن تضع الكتاب أمام عينك بجانب التلفاز، جرب أن تضع أدوات الرياضة جنب الكمبيوتر، وهكذا.
- كافئ نفسك على تلك المنجزات اليومية البسيطة، قطعة من الشوكولاتة الداكنة بعد تمرين لمدة خمس دقائق كل يوم من شأنها أن تحفز عقلك على عدم التخلي عن التمرين حتى يحصل على الشوكولاتة.
دع التراكم يعمل من أجلك
كما شرحنا من قبل في سحر الربح المركب، فإن ما ينطبق في عالم الأموال ينطبق في عالم الإنجازات. كما أن الاستمرار على الادخار والاستثمار لفترات طويلة من شأنه مضاعفة الأموال بشكل كبير. كذلك التحسين بقدر 1% لمدة شهر يجعل معدل النمو المتراكم هو 37% وليس 30% بسبب الأداء الأسي للتراكم.
وهذا هو عين المقصود بقول فهد الأحمدي في كتاب نظرية الفستق: لا تفكر في النجاح، لكن فكر في خلق عادة ناجحة مستمرة.
فإن كنت تريد صعود قمة جبل إفرست، لا تفكر في كيفية فعل ذلك مرة واحدة، بل فكر في كيفية جعل نفسك قادرا على المشي لمدة 30 دقيقة لمدة عام. بدلا من التفكير في مدى صعوبة تعلم اللغة الصينية، العب على تطبيق دولينجو لمدة 10 دقائق كل يوم لمدة عام.
وقد اختبرت الأمر بنفسي مما يجعلني قادرا على التأكيد أنه يعمل بنفس القدر من الجودة والكمال في كل مرة تقوم بتنفيذه.
من أجل الحفاظ على لياقتي البدنية في حالة جيدة حافظت على عشرة آلاف خطوة يوميا من المشي والجري لمدة عام.
ومن أجل تعلم اللغة الألمانية، حافظت على اللعب على تطبيق دولينجو لأكثر من 60 يوما متتالية.
ومن أجل تعظيم الاستفادة من وقت الصباح تحديت نفسي للاستيقاظ 60 يوما متتالية في الساعة الخامسة صباحا، وقد وصلت إلى اليوم 35 حتى الآن.
والآن حان دورك
دورك الآن أن تحدد ما هو هدفك العظيم الذي تريد تحقيقه، واكتبه لي في التعليق لنبدأ في العمل على تحويله إلى عادة يومية تصل بك إلى حلمك في خلال عام أو عامين من الآن.