عندما ننظر إلى البطل الواقف على منصة التتويج منبهرين بأدائه متمنيين أن لو صرنا مكانه، فإن عقولنا تختزل الحقيقة وراء هذا البطل في آخر مشهد فقط. بينما واقع الأمر بخلاف ذلك تماما. إذ أن وراء لحظة التتويج بطلا سنين طويلة من التمرين، والصحيان بدري، وتحمل التعب، وبذل المال. مع كل ما يستلزم ذلك من انضباط ذاتي وقدرة على الاستمرارية في جميع الأحوال.
الأمر نفسه ينطبق على فكرة لحظة الوصول للثراء والتحرر ماليا من عبودية الوظيفة، فكلما نظرت إلى أحد وصل لهذه المرتبة، لا تحسده وتنظر فقط إلى هذا المشهد الأخير. لكن لابد لك أن تستوعب الرحلة التي مر بها هذا الغني لكي يصل إلى تلك النقطة.
هذا المبدأ هو ما يُطلَق عليه في عالم التنمية الذاتية سحر التراكم. وأطلقتُ عليه أنا في عالم المال سحر الربح المركب.
وهذا هو موضوع مقال اليوم.
ما معنى التراكم Compounding effect
المقصود هنا هو أنك لا تنظر إلى الأهداف العملاقة كما تنظر إلى قمة جبل أنت واقف في قعره. فإن هذا من شأنه أن يصيبك بالإحباط، ومن ثَم يُبعِدك عن العمل.
لكن في المقابل انظر إلى كيفية الحفاظ على عادات بسيطة سهلة، وحافظ عليها بصورة مستمرة دائمة، مما يصل بك في النهاية إلى تحقيق أهداف كبيرة لم تكن تتخيل يوما أنك قادر على تحقيقها.
على سبيل المثال، لا تقل أريد خسارة عشرين كجم من وزني، ثم تذهب لدفع 5000 جنيه قيمة الاشتراك في الجيم لمدة عام. فإنك في هذه الحال لن تخسر إلا الـ 5000 جنيه. وسرعان ما تقعد همتك وتتوقف عن الذهاب للجيم.
لكن في المقابل فكر في أن تمشي فقط 30 دقيقة كل يوم. هل تلاحظ الفرق؟!
فقط مشي، وفقط لمدة 30 دقيقة.
إن حافظت على هذه العادة لمدة عام، فإنك تكون حققت هدفك الأصلي بخسارة الوزن، دون أن تفكر حتى فيه. بالإضافة إلى حقيقة أنك صرت شخص رياضي يمارس المشي كل يوم.
وهذا مثال عملي، فإن المشي لمدة ساعة يوميا على مدار 2021 جعلني أمشي ما يقارب 3.7 مليون خطوة أي ما يعادل تقريبا 370 ألف كيلومتر. تخيل لو قيل لك أنك تحتاج تمشي 300 كيلومتر. بالطبع ستحبط وتظن أن الأمر مستحيل. بينما لما حافظت عليه كعادة يومية، كان أسهل وتأثيره أكبر وأبقى.
المبدأ نفسه ينطبق على الاستثمار من أجل الوصول إلى الحرية المالية. فإنك إن فكرت أنك تحتاج الآن إلى 5 مليون جنيه حتى تستغنى عن العمل. فإنك بلا أدنى شك ستصاب بإحباط شديد لأنك لا تملك حتى 5 آلاف. وستكون النتيجة أن تتوقف عن التفكير في الحرية المالية من الأساس، وتبدأ تقنع نفسك أنه مُقدر لك أن تظل موظف طيلة عمرك.
بينما لو فكرت في أنك تدخر 1000 جنيه فقط لا غير كل شهر. ثم حافظت على هذه العادة لمدة عشرين عاما. فإن هذا الباب فقط من شأنه أن يوفر لك ملايين الجنيهات عندما تكون في أمس الحاجة إليها.
كيف يعمل الربح المُركب في صالحك
أخبرتك في مقالة الادخار ليس اختيار كيف يمكنك أن تدخر وتوفر المال مهما كان دخلك.
ثم تحدثنا في مقالة لاحقة عن الاستثمار وكيف يمكن للمال أن يعمل من أجلك
والآن حان وقت الحديث عن مبدأ آخر في غاية الأهمية، وهو ما الذي يتوجب عليه فعله بعد أن بدأت الاستثمار. وهذا الذي سنطلق عليه مبدأ الربح المركب.
مجرد أن تدخر جزء من دخلك، ثم تبدأ في استثماره تحتاج أن تركز على نقطتين:
الأولى هي الاستمرارية
ونعني بها أن تحافظ على عادة ادخار واستثمار قدر ثابت من دخلك على مدار فترات طويلة من الزمن، 10 أو 20 عام على سبيل المثال.
وهذا يتطلب منك الانضباط الذاتي الذي تكلمنا عنه لتواظب على ادخار واستثمار قدر من دخلك على مدى فترة طويلة من الزمن.
الثانية هي ما تفعله بالعائد المتحقق على الاستثمار
وهنا نعني أنه ينبغي عليك ألا تقترب ابدا من عوائد هذا الاستثمار الذي تقوم به، بحيث يدخل العائد على الاستثمار الأول مع الادخار الجديد والاستثمار الجديد. وهنا فقط تحصل على معجزة الربح المُركب. والذي من شأنه أن يُضاعف ثروتك بمقدار كبير على مار فترة ليست طويلة من الزمن.
وهنا مثال على تأثير الربح المركب:
- نفترض أنك تدخر فقط 1000 جنيه شهريا، مما يعادل 12,000 جنيه سنويا.
- نفترض أن استثمارك يعود عليك بـ 10% عائد سنوي.
- نفترض أنك ستقوم بهذا الاستثمار لمدة 30 عاما.
فإن هذا يعطيك حاصل ثروة يقدر بـ اثنين ونصف مليون جنيه. تخيل!
ادخار واستثمار 1,000 جنيه فقط شهريا لا غير لمدة 30 عام يصل بك إلى إجمالي ثروة اثنين ونصف مليون جنيه. هذا المبلغ من شأنه أن يوفر لك دخل سنوي من 250 ألف جنيه، أو عشرة آلاف جنيه شهريا، بدون أن تحتاج إلى بذل ادنى مجهود.
هل وضح لك الآن معنى الحرية المالية!
أضف إلى حساباتك أنه يمكنك أن تصل إلى هذه النقطة مبكرا جدا عن 30 سنة، لو كنت تزيد قيمة الادخار والاستثمار بصورة سنوية. على سبيل المثال: تقوم باستثمار كامل مبلغ العلاوة السنوية الخاصة بك، ولا ترفع من مستوى معيشتك مع كل زيادة في الراتب.
ابدأ الآن
العامل الأهم في سحر الربح المُركب هو أنك تبدأ، وتبدأ الآن وحالا. كلما بدأت مبكرا في هذا الأسلوب كلما استطعت أن تصل إلى حربتك المالية بصورة أسرع لأن عامل الوقت مهم جدا في النمط التراكمي للأرباح. ولنثبت ذلك بالأرقام.
تخيل معي أنك أنت الشخص المذكور في المثال أعلاه، وأنك بدأت في تطبيق هذا المبدأ في عمر العشرين.
لكن صديقك تأخر عنك عشر سنوات وبدأ في عمر الثلاثين.
وبذلك يكون المال قد عمل في خدمتك لمدة 30 عاما. بينما عمل في خدمة صديقك لمدة 20 عاما فقط. مما يجعل ثروة صديقك تصل إلى 850 ألف جنيه فقط. بينما ثروتك أنت تكون اثنين ونصف مليونا.
والآن ما عليك هو أن تقوم باتباع الخطوات التي ذكرناها في تقسيم دخلك في مقال الادخار.
ثم تبدأ مباشرة في الادخار والاستثمار وتتمتع بسحر الربح المركب.
شكرا لمجهودك و ربنا ينفع الناس بعلمك