الفرصة ضيف عزيز، قد تطرق بابك مرة، أو مرتين على الأكثر.
فإذا وجدتك غير مستعد لها، ذهبت.
وقلما تعود.
وفي هذه المقالة أحاول أن أعطيك بعض الأدوات التي تجعلك جاهزا دوما ومرحبا بالفرص التي قد تطرق بابك. وذلك من خلال الحديث عن الادخار، أو ما نسميه بالعامية المصرية التحويش.
فوائد الادخار
للادخار فوائد كثرة، سيساعدك التعرف على بعضها في تهيئة نفسك لأخذ قرار البدء في الادخار، واتباع الاستراتيجية التي سأخبرك بها في نهاية المقال:
- الادخار يجعلك تشعر بأنك تسيطر على الأمور، عندما تعلم في قرارة نفسك أن لديك مدخرات لتغطي مصاريف عند أي ضائقة، أو تسمح لك باستغلال أي فرصة. فإنك تصبح هادئ الأعصاب، وهذا بدوره يساعدك على التركيز للحصول على أفضل استغلال لهذه المدخرات.
- الادخار يزيد من ثقتك بنفسك. لأن الثقة بالنفس تتزعزع عندما نفقد الإجابات والحلول على ما يواجهنا من أزمات. فإن أنت أديت ما عليك من واجب واستعدت جيدا زاد ذلك من ثقتك بنفسك. وهو بدوره يجعل أدائك أفضل في كل ما تقوم بع من عمل.
- الادخار يتيح لك استغلال ما يظهر أمامك من فرص. تظهر أحيانا بعض الفرص كأنها باب انشقت عنه الحائط، ينفتح لمدة قصيرة جدا، ثم ينغلق للأبد. إن لم تكن مستعدا لاقتناص هذه الفرص فإنها تضيع عليك وتندم عليها ما بقيت.
- الادخار يفتح لك باب الاستثمار وتنمية المدخرات. أو بعبارة أخرى: بدون ادخار فلا أمل لك في الاستثمار! إذ كيف تستثمر ما ليس موجودا أصلا؟ لكن مع وجود مدخرات، تستطيع أن تبدأ في الاستثمار والحصول على عوائد من هذه الاستثمارات.
كيف توفر المال للادخار
الإنسان بطبعه كائن قادر على التكييف على ما يتاح له من موارد. فإن حصل له وفرة في الموارد يستطيع أن يمدد من نمط حياته ليستوعب هذه الموارد. لكنه كذلك قادر إن حصل نقص في الموارد أن يتأقلم على الوضع، ويبقى عن الضرورات.
انظر إلى الموظف العادي الذي يبدأ حياته براتب بسيط يكون كافيا له ولأسرته. ومع الوقت كلما زاد دخله، فإنه يرفع من مستوى معيشته، ويظل راتبه بالكاد يكفيه حتى موعد الراتب التالي. فإن حصل هذا في اتجاه الزيادة، فأنت قادر على التحكم فيه أو تطبيقه في الاتجاه العكسي.
يبدأ الأمر بـ قرار تتخذه مع نفسك: لابد أن أقلل من تكاليف معيشتي حتى أستطيع أن أصل إلى حريتي المالية. ومن ثم تبدأ العمل.
وستندهش حقا من قدر النفقات التي يمكنك أن توفرها، فقط إن وضعت الأمر في دائرة تركيزك وواظبت عليه. وإليك بعض الأفكار التي جربتها بنفسي وعملت معي بشكل جيد:
1- في بيتك احرص على تشغيل تكييف واحد، وإضاءة واحدة فقط في الغرفة التي تجلس فيها، لا تستهلك من الكهرباء إلا بقدر ما تحتاج فقط، وعلِّم أولادك هذا الأمر. هذا سيوفر عليك مئات الجنيهات من فاتورة الكهرباء.
2- إذا كنت من محبي القهوة مثلي، فاعلم أن كوب القهوة اليومي بمتوسط 20 جنيه فقط يعادل 7300 جنيه. وهذا مبلغ جيد للاستثمار إن وفرته لمدة عام. والأفضل أن تشتري القهوة وتصنعها في بيتك وتأخذها معك. ولا بأس بأن تشتري كوبك المفضل من القهوة مرة أو مرتين في الشهر.
3- ليس بالضرورة أن تتحرك بالتاكسي أو سيارتك الخاصة طيلة الوقت. لو كان مشوراك يمكن إتمامه بالمواصلات العامة أو المشتركة فاذهب لهذا الاختيار. هذا سيوفر لك قدرا لا بأس به من المال لو جمعته بصورة شهرية. ولا تنس أن تأخذ معك كتاب وسماعة رأس في المواصلات لتستفيد من وقتك.
4- لا تذهب إلى البقالة أبدا بدون قائمة معدة سابقا لما تريد أن تشتريه، ويفضل حاليا أن تشتري أونلاين. عن تجربة شخصية، هذا سيوفر لك قدر هائل من المال.
5- طلب الأكل من خارج البيت بجانب أنه مضر بالصحة، فإنه أغلى بكثير من إعداد طعامك بنفسك مادمت قادرا على ذلك. اجعل الأكل خارج البيت هو الترفيه وليس الأصل.
6- لا تشتري موبايل جديد كلما ظهرت تقنية جديدة. بل اشتري موبايل جديد فقط إن توقف القديم عن العمل.
7- ملابسك يمكنها أن تظل مناسبة لعدة سنوات فلا داعي أن تشتري ملابس جديدة مع كل فصل أو مع ظهور موضة جديدة. وإن كنت تكوي ملابسك خارج البيت، فالأفضل أن تعتمد على التيشرت والجينس الي لا يتطلب أي مكواة بعد الغسل.
استراتيجية الادخار
الآن وقد وفرت قدرا لا بأس به من المال، فاعلم أنه لابد لك من اتباع استراتيجية ثابتة للادخار.
ترك الأمر مفتوحا معتمدا فقط على أنك تثق في التزامك هو أمر فاشل مجربا. صدقني. أن جربته لسنوات وفشل معي تماما.
وما أعنيه باستراتيجية هنا هو الآتي:
1- تقسيم دخلك إلى أقسام محددة بحسب احتياجاتك. وهنا سأعطيك نموذج للتقسيم قرأت عنه وأعتقد أنه مناسبا. وأنت عليك أن تضع النموذج المناسب لك:
10% من دخلك للادخار
10% من دخلك للترفيه
5% من دخلك للعطاء
5% من دخلك للتعلم والنمو
70% من دخلك لضروريات حياتك
2- قم بإنشاء حساب بنكي جديد، واسمه حساب الحرية المالية. وابدأ في تحويل المدخرات إليه.
3- قم بأتمتتة عملية التحويل هذه بحيث تتم بصورة تلقائية بدون تدخلك، وقبل أن تصل أنت إلى راتبك.
4- إن لم تنجح معك الفكرة الأولى، اطلب من شركتك أن تقوم بتحويل جزء الادخار من راتبك مباشرة على حساب الحرية المالية.
5- اجعل الوصول إلى الأموال في حساب الحرية المالية صعبا عليك قدر المستطاع. مثلا: لا تصدر له بطاقة ATM ولا تفعِّل له خاصية الإنترنت البنكي.
تعليم الأطفال الادخار
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
الطفل يشب على ما يراه ويسمعه ويتعلمه في بيته، لذلك إن أردت أن يكون ابنك سعيدا مستقبلا في حياته المالية فعليك أن تجتهد في تعليمه قواعد لعبة المال وهو بعد صغيرا. فلا يتخبط في حياته المالية عندما يكبر، أو يواجه المشاكل التي واجهتها أنت.
ومن حسن الحظ أن الأطفال الصغار عندهم قابلية لتعلم أي شيء جديد، كما أنهم يرون في أهليهم القدوة والمثال الأعلى الذي يتمنى أن يصير عليه يوما ما. لذلك حاول أن تستثمر كل هذه المعطيات بينما هم صغار، وإليك بعض الأفكار:
١- الأولاد يتعلمون بالمشاهدة والتقليد أكثر مما يتعلمون بالشرح والكلام. لذلك ابدأ أنت بنفسك وادخر كل شهر مبلغ ثابت. والأهم أن تتحدث مع أولادك عن مدخراتك واستثماراتك.
٢- اشتر لولدك “حصّالة“ وضعها على مكتبه أو بجانب سريره بحيث يراها باستمرار. وأعطه كل فترة بعض النقود “الفكة“ قائلا ضع هذه في الحصالة.
٣- ضع له أهدافا، فالأولاد يحبون التحديدات والألعاب. إن أراد أن يشتري عجلة مثلا، قل له عليك بادخار نصف سعرها، وأنا سأدفع النصف الباقي.
٤- اخلق منافسة بين أولادك وبين أقاربهم. من منهم يستطيع أن يدخر هذا المبلغ في هذا الوقت. أو من منهم ادخر أكبر مبلغ بحلول نهاية العام الدراسي مثلا.
٥- التحفيز مهم جدا للأطفال. عندما يحقق طفلك الهدف الذي وضعته له. قم بتحفيزه ومكافأته مباشرة. هذا من شأنه أن يعطيه دفعه لعمل المزيد.
الادخار ليس اختيار
الآن وقد علمت كيفية توفر المال، وكيفية ادخاره. لابد أن تعلم أن الادخار ليس اختيارا أبدا. بل هو أمر ضروري من لوازم حياتك. لا يمكنك العيش بدونه، ولا يمكنك تأخيره، لأسباب كثيرة جدا، هذه بعضها فقط:
1- إن كنت ذا طموح وترغب في بناء مشروعك الخاص، فلا أمل لك في ذلك بدون مدخرات تستثمرها في مشروعك.
2- وإن كنت تعمل في القطاع الخاص، فهو أشد تقلبا من البحر في الشتاء. ولابد لك من تأمين حماية لك ولأسرتك.
3- وإن كنت مستقرا في عملك، فلن يظل هذا هو الحال للأبد، وسيأتي عليك وقتا تحتاج فيه للراحة، ولابد أن تخطط لتوفير متطلبات حياة التقاعد من الآن مهما كان سنك. بل كلما بدأت مبكرا كلما كان وصولك لأهدافك أسرع.
4- الحرية المالية لا تعني بالضرورة التقاعد مع بلوغ الستين، بل تعني أننا نعمل لأننا نحب أن نعمل، لا لأننا مضطرون للعمل. ولن تصل إلى الحرية المالية أبدا بدون ادخار.
والآن وقد علمت هذه المعلومات التي كلفتني تجارب سنين، وقراءة آلاف الصفحات. فإن ما عليك فقط هو أن تبدأ الآن، وحالا. مهما كان سنك، ومهما كان وضعك المادي أو الوظيفي. ابدأ بما هو متاح لك الآن ومع الوقت سيتيسر لك المزيد.
أنا شخصيا كنت أتمنى أن أعرف هذه المعلومات قبل عشر سنوات من الآن. لكن إن لم تبدأ الآن بعد ما صار عندك العلم ستندم بعد عشر سنوات أخرى أنك لم تعمل به لحظة عرفته.