جميعنا يحلم بالحصول على زيادة في الدخل. لكي تحقق هذا الحلم الجميل إما أن تستثمر مبالغ كبيرة على مدى فترة زمنية طويلة في شركات توزيعات الأرباح، أو أن تبني مصدر دخل إضافي من بيع منتج أو بناء شركة. هذا الخيار الثاني هو موضوعنا في هذا المقال.
في كتابه Zero to one عقد المؤلف بيتر ثيل مؤسس باي بال فصل كامل عن عقلية رائد الأعمال ومؤسس أي شركة ناشئة بعنوان
Founder Paradox
أو مفارقة المؤسس؛ تكلم فيه عن كون مؤسسي الشركات الناشئة الذين يحلمون بتغيير العالم من خلال أعمالهم يختلفون في تركيبة عقولهم عن الموظفين العاديين؛ بحيث يظهرون في الجهات المتطرفة من أي توزيع عشوائي لمجموعة من الناس كما هو موضح في الشكل التالي:
هذا الكلام جعلني أفكر وأبحث أكثر في ما هي مجموعة الصفات المشتركة التي يمكن أن تجمع هؤلاء الحالمين بتغيير العالم؛ فكان أن قرأت عدة كتب عن الموضوع سأضع لك ملخصها في هذا المقال. مع ضرورة تذكر شيئا هاما قبل البدء .. وهو أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم!
فلو اكتشفت أن صفة أو اثنتين من هذه الصفات ليست متوفرة لديك، فإنها ليست نهاية العالم. بل يمكنك أن تعتبر هذا المقال البداية الجديدة التي تنطلق منها لريادة الأعمال عن طريق البدء في تعلم واكتساب هذه الصفات والمهارات.
ولنبدأ الآن
الطموح
الطموح هو الرغبة العارمة في الوصول إلى أعلى مستوى ممكن؛ وسواء أكان ذلك على مستوى عالم الأعمال أم على المستوى الشخصي فإن رائد الأعمال دوما يتصف بالطموح العالي فهو إنسان لا يرضى أبدا بالمستوى العادي أو المعقول؛ بل عيناه دوما معلقتان بالقمة ولا يتخيل أي مكان له أو لشركته دون القمة.
هذا الطموح هو ما يجعل من رائد الأعمال شعلة متقدة من النشاط والحماس الذي يظهر واضحا عليه في أداء عمله؛ وينتقل منه بطبيعة الحال إلى الفريق الذي يعمل معه؛ بل ويطبع به الشركة التي يؤسسها كذلك.
كان بيل جيتس يقرأ هو وأصدقاؤه مجلة 500 fortune ويفكرون كيف يمكن إدارة مثل هذه الشركات العملاقة؛ وكان حلم جيف بيزوز أن يكون موقعه هو أكبر موقع تسوق على الإنترنت كما أن نهر الأمازون هو أكبر نهر في العالم. ولم يقِل طموح إيلون ماسك عن السفر للمريخ وجعله مكان يعيش عليه البشر.
في رأيي يمكن لرائد الأعمال أن يتخلى عن أي صفة من الصفات الواردة في المقال ما عدا صفة الطموح؛ لأنه بدون الطموح فلن يذهب هو وشركته إلى أي مكان.
وإليكم هذه العبارات الواردة في كتاب نظرية الفستق عن مدى أهمية الطموح:
الأحلام الكبيرة كثيرا ما تنتهي بـ إنجازات "متوسطة"؛ أما الأحلام المتواضعة فتنتهي حتما بـ إنجازات "تافهة".
الأحلام الصغيرة تعمِ بصرك عن الاحتمالات الكبيرة! أما الأحلام الكبيرة فتقودك إلى أفاق لم يحلم بها معظم الناس حولك.
حين تحلم بـ "قرص عيش"، ستحصل على كِسرة خبز! ولكن حين تحلم بـ"مصنع معجنات" لن تنتهي بأقل من متجرفطائر.
الشاطحون في أحلامهم هم من يقودوننا للمستقبل!
أما العقلاء والمتحفظون فبالكاد ينجحون في قيادة أنفسهم.
الانضباط الذاتي
من بين عشرات النصائح التي قرأتها وسمعتها بخصوص النجاح فإن صفة واحدة فقط هي ما يتكرر بصورة دائمة؛ ألا وهي الانضباط الذاتي.
ويعرَّف الانضباط الذاتي على أنه القدرة على الصبر وحمل النفس على أداء ما يلزم من مهام وواجبات مهما كانت الحالة المزاجية والظروف المحيطة.
لو أردت المقاربة بين ضبط النفس والظواهر الطبيعية من حولك فيمكنك تشبيهه بـ شروق الشمس كل يومك وبمعامل الجاذبية الأرضية. هذه الأمور الطبيعية تحصل منذ ملايين السنين بدون أي تغيير أبدا، وستظل تحدث كذلك إلى الأبد.
يحتاج الإنسان الانضباط الذاتي لفعل أي شيء مفيد في الحياة، مثل الحصول على شهادة تعليمية، أو ميدالية أوليمبية، يحتاجه إن أراد أن يتعلم لغة أو يصير رياضيا وينقص وزنه. رائد الأعمال المتميز كذلك لا غِنى له عن الانضباط الذاتي فهو يضع نصب عينه أهداف عالية الطموح، ثم يبدأ بكل ما أوتي من قوة في تحقيق هذه الأهداف. فإذا ظهرت له بعض المعوقات -التي ستظهر بلا شك- يقوم بتغيير الخطط، ولا يتنازل عن آبدا عن الأهداف.
ولما كان القائد الناجح هو من يقود فريقه بأفعاله وليس بكلامته؛ فإن روح الانضباط الذاتي لا يمكن أن تتوفر في أي شركة ما لم يكن مؤسسها هو نفسه ملتزما بها ويمارسها بصورة طبيعية، ويراه موظفوه وشركاؤه كل يوم على هذه الحال. فتصير صفة عامة للشركة يمكن معها تحقيق جميع الأهداف مهما بدا أنها عالية أو صعبة.
يمكنني القول بكل أريحية أنه بدون طموح عالي، وانضباط ذاتي لا يمكن لرائد الأعمال أن يذهب لأي مكان، ولن تجدي أيا من الصفات التالية نفعا. لذلك فعليك كـ رائد أعمال أن تتعلم هذه الصفات وتمارسها في حياتك اليومية حتى تصير جزء لا يتجزء من شخصيتك.
وقد كتبت مقالة بعنوان: كيف تصعد قمة إفرست بدون صعوبة أو مخاطرة، لتوضيح بعض أساليب خلق العادات الحسنة. سيفيدك مراجعة المقال.
قارئ نهم
جميعنا يذكر كم كانت قصة قبل النوم التي تحكيها الأمهات جزء مهما في حياتنا كأطفال، وذلك أنها كانت تتيح لك مساحة من التخيل والصفاء الذهني قبل النوم، فتغمض عينيك وتتخيل الحصان ذي الأجنحة وأميرة البحر والفارس التي يجري على جواد أبيض. ما تفعله قصة قبل النوم للأطفال تفعله القراءة لرائد الأعمال، وهو أنه تكسبه قدرة هائلة على التخييل وسعة الأفق وافتراض مسارات بديلة ورسم مسرح لأحداث الأعمال في عقله!
الجميع يتكلم عن أهمية القراءة لكل الناس من أجل اكتساب المعرفة والتطور المستمر. لكني لم أر أحدا يتكلم عن مدى الإلهام الذي يكون عليه رائد الأعمال عندما يكون قارئا، والكم الهائل من القدرة على التخييل الذي توفره القراءة للشخص القارئ.
أزعم أنني قابلت عددا غير قليل من البشر على مدار حياتي، من مختلف البلدان حول العالم، ومختلف الثقافات، ومختلف الأعمار. وأزعم أني كنت قادر على التعرف على الأشخاص الذين يعطون أنفسهم مساحة من القراءة المنتظمة من أول خمس دقائق في الحديث. الإنسان القارئ كالشمس المشرقة لا يمكن أن يخفى ضوءها، وكالشجرة المثمرة لا يمكن أن تحجب ثمرتها.
وأنت كرائد أعمال تحتاج أن تكون شمس مشرقة تأتي بالنور والدفء كل يوم لموظفيك وعملائك وشركائك. تحتاج دوما أن تلهمهم بأفكارك وقصصك، وتحتاج دوما أن توفر لهم حلولا خارج الصندوق المألوف الذي سأمه الجميع. وصدقني -هذه نصيحة مجرب- لا يمكنك أبدا فعل ذلك إلا أن تكون قارئا.
فإن سألتني ماذا أقرأ سأقول: اقرأ في كل شيء، لا تحبس نفسك في قوقعة أعمالك، لأن العالم أكبر من ذلك، ولأنك تحتاج لأكبر من علوم إدارة الأعمال للنجاح في مشروعك. اقرأ في الاقتصاد وأسواق المال، اقرأ في التسويق والمبيعات، اقرأ في السير الذاتية للناجحين على مر العصور. وفوق كل ذلك اقرأ في الأدب!
نعم أنا كتبتها صح، وأنت قرأتها صح. فإن الأدب والأدب وحده هو ما سيعطيك الخيال الواسع وإمكانية التفكير خارج الصندوق التي حدثتك عنها.
فإن قلت أنا لا أعرف كيف ألتزم بالقراءة، فسأقول لك أني كتبت طريقة للتدرب على القراءة في هذا المقال، أتمنى تقرأها هناك.
كاتب
أنت كـ رائد أعمال تحتاج دوما للتواصل مع الناس من حولك. تحتاج للتواصل مع فريقك في العمل، عملائك، شركائك، مستثمريك -إن كان لديك مستثمرين-، وهذا لا يمكن أن ينجح بصورة فعالة ما لم تكن كاتبا جيدا تعرف كيف تعبر عن نفسك في كلمات وتعرف كيف تصوغ العبارات السليمة في المواقف المناسبة.
الإنسان الكاتب هو إنسان منظم ولا شك، إن الكتابة تتطلب منك تنظيم أفكارك ومن ثم تنظيم طريقة عرضها. لأنه مهما كانت الأفكار عظيمة فإنها تظل حبيسة عقلك ما لم تجد لها طريقا إلى النور من خلال الكلمات. ومهما كانت الكلمات عظيمة فلن تؤتي أكلها حتى تكون في سياقها السليم وتوقيتها المناسب.
وقد كتبت مقالة كاملة -باللغة الإنجليزية- عن أهمية الكتابة بالنسبة لرائد الأعمال، منشورة في هذه النشرة البريدية، أتمنى أن تتطلع عليها.
وفيما يتعلق بالكتابة دوما ما يطرح سؤال عن كيفية تعلم الكتابة بصورة صحيحة تؤثر في الناس. وبينما هذا موضوع كبير قد يحتاج مقالة مستقلة، إلا أن النصيحة السريعة هنا هي التدرب المستمر. ابدأ الآن بكتابة جمل بسيطة جدا، وداوم على هذا بصورة ممستمرة. حتى تتدرب عضلات مخك على الكتابة كما تتدرب عقلات ذراعك على حمل الأوزان. مع الأخذ في الاعتبار أنه يستحيل أن يكون كاتبا من لم يكن قارئا في المقام الأول.
الصحيان بدري
كلنا يعرف أن البركة في البكور. وكلنا شاهد بالتجربة كيف يمكن إنجاز قدر أكبر من الأعمال في الصباح الباكر قبل أن يستيقظ باقي الناس من حولك. لذلك لن أتكلم عن كل هذا هنا الآن. بل سأتكلم عن أهمية الصحيان بدري لرائد الأعمال من منظور مختلف نوعا ما.
كرائد أعمال أنت تتعرض لقدر هائل من الضغوطات اليومية في محاولتك لبلوغ الأهداف المخططة، وحل مشاكل الفريق ومحاولة إرضاء العملاء ومواجهة قلة الموارد المالية.
أقول هذا الكلام من واقع تجارب عملية عشتها بنفسي في أكثر من مشروع وأكثر من شركة قمت بتأسيسها، وأعرف كيف يمكن أن يبدو عليه الوضع عندما يكون الإنسان مستهلكا تماما. وهنا بالذات أنت تحتاج لوقت تختلي فيه بنفسك. وقت يكون لك أنت فقط بعيدا عن ضجيج معركة شركتك الناشئة. وقت يكون لك بمثابة استراحة المحارب اليومية التي يشحن بها طاقته لاستمرار القتال في يوم جديد.
تحتاج تصحى بدري لتوفر لنفسك وقت كافي للتأمل، ووقت كافي لتعلم شيئا جديدا، ووقت كافي للعب الرياضة. ووقت كافي لوضع خطة ليومك وأسبوعك والسنة المقبلة. والأهم من كل ذلك وقت كافي لروحك!
ولأن كل هذا لا يمكن أن يتم في خضم زحمة اليوم مجرد أن يستيقظ الناس من حولك. فإن الصحيان بدري هو الحل السحري الذي يوفر لك هذا الوقت الإضافي الذي تحتاجه. كتاب نادي الخامسة صباحا لـ روبن شارما هو أجمل كتاب قرأته يتحدث في هذا لاموضوع، وأنصح جدا بقراءته.
وكغيره من الصفات يحتاج الصحيان بدري إلى تطوير تلك العادة والمثابرة عليها حتى تتمكن من الاستفادة منها.
يلعب رياضة
أتمنى أن لا يزعل مني القارئ في هذا الجزء من المقال، لكني بصراحة لا يمكنني تخيل رائد أعمال ناجح عنده كرش.
لا لشيء إلا لأن هذا الجزء الزائد من الدهون لا يعبر فقط عن زيادة الوزن وخطورة الإصابة بأمراض السمنة والقلب، ولكنه يعبر عن قلة الإرادة في ضبط النفس على نظام غذائي وممارسة الحد الأدني من الرياضة بصورة مستمرة.
كلنا قرأنا في صغرنا أن العقل السليم في الجسم السليم.
هذا الأمر حقيقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وليس مجرد شعار في مدرسة ابتدائي من أجل تشجيع الأطفال على التنطيط في حصة الألعاب. إن لم يكن جسدك سليما ممتلئ بالحيوية، وشراينيك مهيئة لنقل الدم بسرعة وسهولة لمخك وآطرافك كيف سيمكنك أن تواجه كل الصعوبات والتحديات التي يواجهها رائد الأعمال بصورة يومية. إن لم تستطع التغلب على نفسك في ممارسة الرياضة بصورة يومية كيف سيمكنك التغلب على مشاكل العملاء الغاضبين كل يوم.
وأنا هنا لا أطلب منك أن تكون مايكل فيلبس أو أرنولد شوارزنجر، كل ما أحاول تحميسك على القيام به هو مجموعة من التمارين البسيطة كل يوم لتحافظ على جسمك في لياقة حتى يكون عقلك كذلك في كامل لياقته وأنت تواجه تحديات بناء شركتك.
وإن كنت لا أنكر أن امتلاك عضلات بطن ظاهرة شعور جميل في حد ذاته
هذه بعض الصفات التي أرى أنها مهمة لرائد الأعمال، وليست كل الصفات بالطبع. فلو رأيت أن هناك بعض صفات تحتاج للإضافة برجاء مشاركتها في التعليقات.